سعيد ناشيد (من جريدة السفير)
هذا العنوان مستوحى من عبارة افتتح بها نصري الصايغ إحدى مقالاته، وقد أوحت لي بدورها بأن أتخيل حكاية أسردها على المنوال التالي:
زعموا أنّ حماراً لقي أسداً في بعض الأدغال، وبعد أن بادره بالتحيّة والسلام، أردف يقول: أيّها الأسد المعظم والملك المبجل، لك عليّ أن أقدم لك نصيحة تجلب لك الخير أبد الدّهر وتدفع عنك الضرر إلى آخر العمر، على أن تتركني أعود لموطني ومسكني سالماً معافى. فردّ الأسد بالقول: لك ما تشاء أيها الحمار الثرثار، فأرني ما لديك من أفكار.
فقال الحمار:
انظر يا ملك السباع إلى مآلك ومآل قومك من بني جلدتك؛ حيث اقتنص الإنسان معظم الأسود، ولم ينج منكم سوى النزر القليل وإلى حين، وقد زحف الناس على بقاعكم واكتسحوا أصقاعكم، وما تركوا لكم سوى القليل من الأدغال، هم مدركوها لا محالة. فعجل بالنجاة من الهلاك، واتخذ رأياً سديداً تضمن به لنفسك البقاء، وتأمن لنسلك النجاة من الفناء.
فردّ الأسد الحيران:
ما عساني أفعل أيها الحمار الغريب الأطوار؟
أجاب الحمار قائلاً:
تقوم، يا سيدي وسيد الغابات والأدغال، بمبادرة جليلة سيذكرها لك «تاريخ الحيوان» ويُخلد بها اسمك في ذاكرة الأجيال؛ تبرم اتفاقية سلام دائم وشامل مع الإنسان، على أن تشرع منذ الآن في القيام بأجل الأعمال، فتبدي للإنسان صفاء النية وصدق الطوية، ولا بأس أن تكفّ عن الزئير، وأن ترضى بطعام الشعير، ويَحسن بك أن تشذب مخالبك؛ لأنها تسيء لحسن سمعتك، وأن تهدب أنيابك؛ لأنها تفسد جمال هيئتك، وخليق بك أن تبدي استعدادك لخدمة الناس أينما حلوا وارتحلوا، فتحمل عنهم ما ثقل حمله وتفعل لهم ما شقّ عليهم فعله، وتطيعهم في السراء والضراء، وتنقاد لهم انقياد العبد لسيد والمُريد لشيخه والأعمى لقائده. وبهذا تضمن نجاتك من الهلاك وانفلاتك من الفناء. وقد قيل قديماً : حياة الإذعان خير من وفاة الشجعان.
وبعد أن أنهى الحمار هذا الحوار، فكر ودبّر ثم قدّر وقرّر، فقال للأسد الحائر:
لقد كنتُ مثلك أسداً في الأدغال، ولأن الله حباني ببُعد نظر ورُجحان عقل، أصبحتُ حماراً كما تراني. وإذا أردتَ أن تسمعني فاخلع كرامتك واتبعني.
No comments:
Post a Comment