2/8/11

قبل أن تسرق الثورة

إلى روح هادي العلوي

في الفلسفة، يستخدم تعبير «المرموز الفارغ» empty signifier للدلالة على مفاهيم تستعمل بكثافة لكن لا محتوى ثابتاً لها، أي يمكن ملؤها بأيّ معنىً نريد. تعابير مثل «الحرّيّة» أو «الديموقراطيّة» هي أمثلة واضحة على المرموز الفارغ، لكنّ كلمة «الشعب» تبقى المثال الأبرز على الأسماء التي يمكن أن نعني بها ما نشاء، ويمكن أن نوظّفها في أيّ خطاب ولأيّة غاية. تساءل المفكّرون المحافظون، منذ أيّام الثورة الفرنسيّة، عن شرعيّة استعمال «الشعب» حجّةً لتشريع الثورات والأنظمة. «ما هو هذا الشعب؟ من يعرّفه ويحدّد مصالحه؟ هل رأيتم يوماً رجلاً يمشي في الشارع اسمه الشعب؟» تسائل إدموند بيرك منذ قرنين، ساخراً من مثاليات اليعاقبة الفرنسيين. وتخاف النخب الحاكمة من الشعب لكنّها تعشق كلمة «الشعب»، فبإمكانها أن تحكم الشعب باسم «الشعب» وأن تقمع الشعب باسم «الشعب»، بل وأن تقتل الشعب باسمه أيضاً.

واليوم في تونس ومصر، الشعب قام، حقّاً قام. والوصف الوحيد الممكن لما حصل في الأسابيع الماضية، هو أنّها ثورات شعبيّة، بكلّ ما للكلمة من معنى، وبما يشبه المثال الأكاديمي للتعبير. لكن ـــــ بناءً على ما أسلفناه ـــــ أن تكنّى ثورةُ ما باسم «الشعب» فهذا يعني أنّها ثورة معروضة علناً للسّرقة.

منذ الآن يلفت توني بلير إلى أنّ أغلب الشباب المتظاهر غير منضو في أيّة أحزاب، داعياً بوقاحة الى تسخير الموارد لتنظيمهم ـــــ على نهج توني بلير ـــــ كي لا يقعوا في يد «الإسلاميين». هكذا قال سيئ الذكر، الذي وصف محمّد حسني مبارك في المقابلة نفسها بأنّه «بالغ الشجاعة وهو قوّة للخير».

في العادة، تنسب جميع الثورات والانقلابات الى الشعب الذي لا يكون له علاقة بها: تتسلم نخبة ما الحكم وتخلع الحاكم السابق ثمّ تعزو انقلابها إلى «الجماهير» وإرادتها. المحزن في حالتنا اليوم هو أن يقوم الشعب فعلاً بثورة، لتعود وتسرقها النخب.



ثورة المهمّشين



بادئ ذي بدء، هنالك مجموعة من الأساسيات لا يمكن تجاهلها لدى مناقشة الثورات الحاصلة اليوم. أوّلاً، هناك الطابع الجديد والفريد والتجريبي لثورتي تونس ومصر، وما قد يلحقهما. ففي تاريخ العرب الحديث، أي منذ بدء عصر السياسات الجماهيريّة في بلادنا، لم نشهد نجاح ثورات شعبيّة بالمعنى الحقيقي للكلمة. ما نسمّيه «ثورات» في العراق ومصر وسوريا، هي تورية لاستيلاء مجموعات أيديولوجية أو عسكريّة على الحكم وإطلاقها لعمليّة تغيير واسعة في المجتمع.

ثورات اليوم غير مسبوقة، وليست لدينا أمثلة تاريخيّة محلّيّة يمكن أن نقارنها بها. فعلينا إذاً أن نبدأ كلّ كلام عن ثورات تونس ومصر بالتواضع والاعتراف بحدود معرفتنا، وبأنّنا جميعاً لم نتنبّأ بما حصل ولا نملك، حتى هذه اللحظة، كلّ نواصي الأحداث وخلفيّاتها.

ثانياً، وهنا اللغز الأهمّ، هي ثورات عصيّة على التفسير من داخل قاموس الحداثة السياسيّة. لا تنطبق كلّ أدوات الحداثة ومصطلحاتها، من أحزاب ونخب وطبقات وتكتّلات مصالح، على انتفاضات الشعوب العربيّة على طغاتها. كان التعبير عن الاحتجاج من خارج البنى المؤسّسيّة التي يفترض بها أن تؤطّر الفعل السياسي في عصر الحداثة. أحزاب المعارضة، مثلها مثل ممثّلي السلطة، لم تكن أكثر من شاهد على هذه الانتفاضات، ثمّ انضمّت إليها التحاقاً بالشعب، لا قيادةً له.

غربة هذه الثورات عن الحداثة، بمفهومها التقليدي، تتّضح حين نحاول أن نستمع الى مطالب المحتجّين وشعاراتهم. أفراد الشعب الذين خاطروا بحياتهم ونزلوا الى الشوارع كاسرين حاجز الخوف، مقارعين جلاوزة السّلطان بلا وجل، هؤلاء لم يصرخوا «ديموقراطيّة وانتخابات»، ولم يرفعوا مطالب يمكن تصنيفها في خانة الديموقراطيّة الليبراليّة. كذلك هم أيضاً لم يردّدوا أنّ «الإسلام هو الحلّ» ولا استعملوا لغة أيديولوجيّة محدّدة. من يحاول أن يماهي بين هذه الانتفاضات والثورات الأميركيّة الملوّنة، أو حتى انتفاضات أوروبّا الشّرقيّة في التسعينيات، هو مزوّر يحاول تجيير صوت الناس مستخفّاً بنضالاتهم. وصم انتفاضات تونس ومصر بالليبراليّة لمجرّد أنّها طالبت بـ«الحرّيّة» هو كالادعاء بأنّها حركات ماركسيّة لأنّها تجهر بالعداء للاستغلال الاقتصادي.

على العكس، أظهرت هذه الانتفاضات، وخاصّة ثورة مصر، مفارقة مثيرة: بالرغم من عشرات من منظّمات «المجتمع المدني» التي موّلها الأميركيّون واستخباراتهم في مصر وغيرها، وبالرغم من مئات الملايين التي صرفت، وكلّ ذلك بهدف زرع مصطلحات الديموقراطيّة الليبراليّة في وعي المجتمع المصري، فإنّ المصريّين اليوم يثبتون أنّ الديموقراطيّة «الجفرسونيّة» لم تدخل الى معجمهم ـــــ بعد كلّ هذا العناء.

أعتقد أنّ تفسير هذه الظواهر يكمن في الطبيعة السوسيولوجيّة للثوّار، ويمكن وصفهم بالمهمّشين في المجتمع، أي من هم خارج النظام السياسي، أي النظام برمّته: بسلطته ومعارضته، برأسمالييه وفنّانيه، بصحفه وثقافته، إلخ. المهمّشون ليسوا الفقراء فحسب، هم من لا تقرأ عنهم في الثقافة السائدة ولا تخبّر قصصهم الأفلام وكتب التّاريخ. هم «الآخر» بالنسبة إلى أولاد الطبقة الوسطى، من يؤدّون الأعمال اليدويّة في اقتصاد الخدمات، من يخدموننا في المطاعم وينتهي ارتباطنا بهم مع تأدية الخدمة المأجورة. هم من لا صوت لهم في وسط النخبة وموجودون في كلّ مجتمع.

أما في بعض الدول العربيّة كمصر، فصنعت الأنظمة مجتمعات أغلبها من المهمّشين. سيدي بوزيد مثلاً هي أفقر ولايات تونس قاطبة: ريفيّة زراعيّة، يقلّ عدد سكّانها عن نصف المليون، وتقع في الغرب الداخلي ذي المناخ القاسي، حيث لا ماء ولا سياحة، بعيداً عن ولايات الساحل المحظيّة. سيدي بوزيد التي عانت أكثر من غيرها من تحوّلات الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة، سيدي بوزيد التي ولدت أجيال عربية وماتت من دون أن تسمع باسمها، سيدي بوزيد أصبحت مدخلنا الى العصور الجديدة.



اللقاحيّة والمشاعيّة



إن كان هنالك من فهم قضيّة المهمّشين في بلادنا وتبنّاها، فهو الفيلسوف والمؤرّخ العراقي هادي العلوي. كان هادي يدرس ثورات التاريخ الإسلامي من زاوية تختلف عند باقي المؤرّخين. كان يعارض إسقاط الانتفاضات الشعبيّة على الاصطفافات السياسيّة الرائجة في زمنها، بل كان يصرّ على أنّ عماد الثورة في الشارع هم المهمّشون اللقاحيّون، أي من لا ينتمي الى أحزاب خاصّة، بل من ينتفض على السلطة بما هي سلطة، على طغيانها وقهرها وإذلالها للناس، وكلّ سلطة هي بطبيعتها غاشمة وقهّارة. هكذا كان يعتقد هادي العلوي، وهكذا يؤمن المهمّشون. وبهذه الروحيّة، يسير اليوم الملايين في شوارع مصر منتفضين على حاكم تجبّر على الناس وحبس عنهم أموالهم.

بالنسبة إلى هادي العلوي، مفهوم اللقاحيّة أساسيّ لفهم الرفض الفطري للملك العضوض لدى جموع الناس. اللقاحيّة موروث جاهليّ، اختصّ به العرب الأوائل الذين كانوا دائمي الحذر من الوقوع تحت حكم «كسرى وقيصر»، وامتثلوا لمحمّد بوصفه نبيّاً لا ملكاً، وامتثلوا لخلفائه الراشدين لأنهم احترموا لقاحيّة الناس ولم يسيروا مسير الملوك. هكذا أرّخ هادي للّقاحيّة التي قمعها نشوء الملك الوراثي عند العرب وتجذّر الدولة المركزيّة، غير أنّها ظلّت حاضرة في ثقافة المهمّشين، من خلال ومضات وثورات استمرّت طوال عهود الدولتين، الأمويّة والعبّاسيّة.

اللقاحيّة إذاً، ليست انتصاراً لمذهب على مذهب في فنون السلطة، ولا هي ديموقراطيّة وفق التقليد الليبرالي، بل هي موقف أخلاقيّ ضدّ السلطة المركزية بذاتها، وضدّ مؤسّساتها المعقّدة، وضدّ تدخّلها الخانق في حياة الناس، وضدّ حبس حقوقهم وأموالهم.

اللقاحيّة عند العلوي ليست ليبراليّة، بل أكثر ديموقراطيّة منها. فلنتذكّر أنّ الديموقراطيّة الليبراليّة لا تعني حكم الشعب لنفسه، بل تعني «الانتقال السلمي للسلطة بين النخب»، أي الانتقال السلمي للسلطة من سعد الحريري إلى نجيب ميقاتي، أو من حسني مبارك إلى محمّد البرادعي.

في اللقاحيّة عامل فوضوي لا مجال لإنكاره، لا يرى يوتوبيا فاضلة في أيّ شكل من أشكال السلطة وينظر بعين الريبة لكلّ دولة مركزيّة. من الغريب أنّ أيّاً من المعلّقين العرب لم يلحظ الطّابع الفوضوي لثورات الشعب في تونس ومصر. حتى الصديق أسعد أبو خليل، الذي يهوى التنظير للفوضويّة، لم يلاحظ الملامح الفوضوية في الانتفاضات واللجان الشعبيّة وحكومات الشارع والتنظيم التلقائي الذي يحصل أمامنا في شوارع مصر ـــــ بعيداً عن مؤسّسات الدّولة والأحزاب وفي ممارسة جماهيريّة للديموقراطيّة المباشرة. أسعد لا يزال يبحث عن الفوضويّة في كتابات باكونين، فيما تتجلّى أسطع وأضخم فصولها أمام عينيه.



النيوليبراليّة تغتال الحداثة



في الفيلم الشهير «كوكب القرود»، يخال روّاد الفضاء أنفسهم عالقين على كوكب يشبه ماضياً مشوّهاً للأرض، حيث القرود تطوّرت وأسّست مجتمعاً متقدّماً، فيما البشر لا يزالون حيوانات لا تنطق. وفي اللقطة الأخيرة للفيلم، يكتشف المغامرون أنّهم حقيقةً يشهدون مستقبل الأرض، لا ماضيها، بعدما أفنت الإنسانيّة نفسها وأهلكت حضارتها.

قال لي المؤرّخ الأميركي بيتر غران يوماً جملة لا أنساها، تشابه الى حدّ ما سيناريو الفيلم الشهير. قال إنّ الغربيّين ينظرون الى بلاد الجنوب كمصر، على أنّها تحبو على درب الحداثة الرأسمالية، أي أنّها تمثّل، بمعنى مجازي، ماضيهم. «في الحقيقة»، يضيف بيتر غران، «حين أسير في شوارع القاهرة أشعر بأنّني أشهد مستقبل الرأسماليّة الغربيّة، لا تاريخها». أي رأسماليّة أفلتت من عقالها وهي تعيد تكوين المجتمع وتسليعه بلا رادع ـــــ رأسماليّة تعيش أيّامها الأخيرة.

من أراد فهم الثورات المصريّة والتونسيّة، لا يمكنه تجاهل التغييرات الهائلة التي طرأت على تلك المجتمعات في العقود الثلاثة الماضية. تغييرات عصفت بقسوة بحياة الملايين من أفرادها، وهو ما حصل غالباً تحت راية «الإصلاحات الاقتصادية». قال ليون تروتسكي يوماً ما معناه أنّ النماذج الرأسماليّة المتقدّمة (كوصفات الاقتصاد الليبرالي) تطبّق أكمل وأسرع في البلاد الآسيوية المستعمَرة منه في منشأ هذه النظريّات. ففي الغرب، ركّبت طبقات من المؤسّسات والكوابح لحماية الأفراد من تمادي الرّأسمالية، أمّا في مصر أو تونس، فقد تمكّنت الحكومات من قلب النظام الاقتصادي رأساً على عقب بلا مقاومة: سوق العمل وقوانينه، ونظم الملكيّة، والضمانات الاجتماعيّة، كلّها مؤسّسات دمّرت وأعيد تكوينها بسنوات قليلة.

حين درس دايفيد هارفي تأثير النيوليبراليّة على المجتمعات الغربيّة، منذ وثبتها في السبعينيات، نظر برعب الى عمليّة إعادة توزيع الدخل التي جرت في المجتمع، ناقلة الثروات من الطبقات الدنيا الى النخبة الرأسماليّة، فكانت الطبقة العاملة في أميركا وبريطانيا تمرّ في عقود من الأزمة وانخفاض الدخل، فيما كان الملّاكون والإداريّون الكبار ومديرو الأسواق الماليّة يعيشون جنّةً من النموّ والثراء الجنونيّين.

لو نظر هارفي الى بلاد النيل، لاكتشف أنّ الإحصاءات عن اختلال المداخيل في الغرب تبقى مزحةً أمام التطوّرات التي أحدثها النظام النيوليبرالي، في مصر مثلاً. انتقل المصريّون، في أقلّ من جيل، من عالم ترفع فيه قيم التكاتف الاجتماعي وتقدّم فيه ضمانات معيّنة للفقراء، الى عالم أشبه بغابة رأسماليّة يخاف فيها الفرد دائماً من الفقر والعوز، وتقفل أبواب الترقّي الاجتماعي على السواد الأعظم من الناس. لم يعد المجتمع محميّاً من تقلّبات السوق الدولي وخضاته: ترتفع أسعار النفط، فيهدّد ارتفاع أسعار الغذاء قطاعات كاملة من الشعب المصري بالجوع وسوء التغذية؛ تحرّر تجارة النسيج العالميّة فيختفي قطاع كامل من الاقتصاد التونسي وتدمّر حياة الملايين.

لا شكّ في أنّ هذا «التدمير الخلّاق» للمجتمعات العربيّة، في العقود الأخيرة، قد غرس بذرة الثورة والحنق لدى الشباب المنتفض اليوم. قدّم المفكّر الهنغاري الأصل كارل بولاني، نقداً غير ماركسيّ للرأسماليّة يلتقي في العديد من جوانبه مع فكرة هادي العلوي عن اللقاحيّة والمشاعيّة. وقد تكون رؤيا بولاني مدخلاً لتفسير الثورات الحاليّة وعلاقتها بالرأسماليّة.

فسّر بولاني ما سمّاه «الحركة المزدوجة»: كلّما تقدّمت الرأسماليّة في اجتياحها للمجتمع وازداد تسليع الأرض والعمل والنقد، ارتدّ المجتمع على السّلطة مجبراً إيّاها على كبح الرأسماليّة وتعزيز نفوذ الشعب على حساب السوق. الأرض، والعمل، والنقد، ثلاثة عناصر لا تستقيم فكرة «السوق الحرّة» من دون أن تسلّع وتحوّل الى موادّ يتاجر بها السوق، بعد فصلها عن المجتمع. عزل عناصر الحياة هذه عن مجتمعها، يستدعي لدى بولاني ردّاً يشابه ردّ اللقاحيّين على الملك العضوض الذي يهين قريحتهم ويسلبهم حرّياتهم الطبيعيّة.

لا يحمل الشعب المنتفض اليوم أيديولوجيا خلاصيّة تنبثق من تراث الحداثة. تجربة العرب مع الحداثة والإمبرياليّة، طوال القرنين الماضيين، شفتهم من تلك الأوهام. الثورة الحاليّة ليست حداثيّة بالقطع، وهي أيضاً لا تعادي الحداثة الغربيّة أو تحاول طرح يوتوبيا بديلة ـــــ كما فعلت الثورة الإسلاميّة في إيران. ثورة العرب اليوم تخرج من حطام الحداثة ومن خراب العالم القبيح الذي خلقته الحداثة لنا.



خاتمة



أنا أدافع عن لقاحيّة الثورة قبل أن تسرق. أدافع عن طابعها الشعبيّ والحرّ والرافض للسّلطة بذاتها قبل أن تقطف مجموعات نخبويّة الثورة ومنجزاتها، أو أن تؤتي المؤامرات الأميركيّة أكلها وتجهض الثّورة قبل أن تنتصر. علينا أن نكون متشائمين. حتّى الثورات الناجحة تظلم المهمّشين الذين ماتوا من أجلها وتتنكّر لهم. أتظنّون أنّ سيدي بوزيد ستستفيد حقّاً من النخبة التونسيّة (نسبة الى العاصمة تونس) التي ستتسلّم من بن علي بعد أن ينقشع الغبار؟ أسيكون النظام الجديد وفيّاً لأولئك المزارعين الشجعان الذين انتفضوا وصرخوا وماتوا دفاعاً عن حرّيتهم وحرّيّتنا؟ آمل أن تكون اللجان الشعبيّة التي يجري الحديث عنها في مصر مشروعاً جدّيّاً، وأن تستمرّ وتكتسب شرعيّة وسيادة لا يناقضها النظام القادم.

فيما نحن اليوم في قلب أتون الثورة، ويبدو جيلنا أخيراً على وشك إزاحة جيل الهزيمة الذي مكث على صدورنا طويلاً بأنظمته وثقافته وانهزاميّته وثرثرته، يبقى أن نقول إنّه لا مجال للتّنبّؤ بما سيحصل. الطريق الوحيد إلى معرفة المستقبل هو العمل باتّجاهه. ستبدو هذه الثورات لغزاً محيّراً للمحلّلين والأكاديميّين، إلّا أنّ أستاذي العارف هادي العلوي كان سيرى فيها أمراً أليفاً وقديماً في آن. كان سيرى طيفاً جميلاً فوق شوارع تونس والقاهرة. كان سيرى الوجه الباسم لسلمان الفارسي، والشّيخ الكيلاني، والإمام زيد.



* طالب دكتوراه علوم سياسيّة

في جامعة كاليفورنيا ــ بيركلي

2/5/11

كيف تخدع شعبك في أربع خطوات؟ .. دليل الحكومة الذكية لتضليل الإعلام



كيف تخدع شعبك في أربع خطوات؟ .. دليل الحكومة الذكية لتضليل الإعلام



اتفرجوا عليه بس شغلوا عقلكم بس





“إذا أردت السيطرة على الناس أخبرهم انهم معرضون للخطر وحذرهم من أن أمنهم تحت التهديد، ثم شكك في وطنية معارضيك” .. بهذه الاستراتيجية الإعلامية الفعالة نجح أدولف هتلر في تعبئة ألمانيا النازية لدخول الحرب العالمية الثانية.. وبنفس الأسلوب نجحت الإدارة الأمريكية الحالية بعد أكثر من نصف قرن في شن حملة إعلامية ضخمة لإقناع شعبها بضرورة خوض الحرب على العراق مهما كان الثمن.. وطبعا ده غير حكومات تانية كتير قوي.



معرفش ليه الكلام ده افتكرته اليومين دول وسط الأحداث اللي بتمر بيها مصر واللي الإعلام انقسم فيها إلى نوعين، انا هسيب ليكم تقسيمهم على كيفكم وتصنيفهم براحتكم.



المهم أن الكلام السابق ده بتاع راجل اسمه دينيس جيت قابلته من 3 سنين في جامعة فلوريدا، “ايوه عارف هتقول ايه ما أصل انا خاين وعميل للأمريكان وبموت في الخيانة عموما دي كانت رحلة قصيرة جدا”، هو كان ماسك هناك مركز للعلاقات الدولية، والراجل نفسه كان سفير أمريكي في عدة دول وكان شغال في المكتب الإعلامي للبيت الأبيض، ولما قابلته كان بيشرح للناس في الجامعة إزاي جورج بوش نجح يخدع الأمريكان ويشحن الرأي العام عشان يقنع جزء من الشعب بأهمية الحرب (ابن اللذينة معرفش إزاي عدى ساعتها من حرس الجامعة لحد ما فهمت ان مفيش هناك حرس جامعة) .. المهم أنه شرح للناس إزاي أي حكومة من أيام هتلر لحد أيام بوش بتوظف الإعلام للخداع والتضليل وده بـ4 طرق.





الطريقة الأولى : التخوين



خوف الناس .. وحسسهم ليل نهار أن في مؤامرات بيتم تدبيرها ضدهم وأن أمنهم معرض للخطر، وأن كل الاجراءات المتشددة اللي انت عاملها دي عشان مصلحتهم ولأن عدوهم جبار وبيستغل طيبتهم عشان يدمر مجتمعهم .. ومع تكرار الأسلوب ده، وربطه بتعرض الناس لحادث إرهابي في وقت سابق او خوضهم حرب من فترة قريبة أو لكارثة أو حادثة كبيرة هيكون عندهم استعداد تام للتنازل ليك عن جزء كبير من حرية اتخاذ قراراتهم، وده ليييه؟ .. لأن الناس تفكيرها المنطقي بيتشل ساعة الخطر، لأنهم بشكل غريزي هيحسوا انهم محتاجين الأمان ومستعدين يتنازلوا عن حريتهم عشان خاطر الاحساس اللي انت اصلا حرمتهم منه ببث رسايل تحذير منتظمة.



في ألمانيا النازية هتلر فهم الألمان أنهم لو مهاجموش شعوب أوروبا هي اللي هتهاجمهم، وبوش فهم شعبه أن صدام بيدعم الإرهاب وعنده أسلحة دمار شامل.




المصيبة لما واحد غبي زي صاحبنا يضحك على ناس المفروض انها ناصحة ومدردحة زي الأمريكان

والطبيعي في أي مجتمع أن هيكون في معارضة ليك، مش معارضة سياسية بس، لكن معارضة من المتعلمين والواعين ووسائل الإعلام المستقلة والناس اللي بتشك بطبيعتها في نوايا الحكومة .. الرد على دول لازم يكون هجومي وشامل .. اتهامات بالخيانة وبتعريض سلامة الوطن للخطر واتهامات بالعمالة لقوى خارجية أو لتمثيل “أجندات أجنبية” أو “أجندات محلية” أو “أجندات من الفجالة” وأنهم “قلة مندسة” حتى لو عددهم مليون واحد وحتى لو كان المعارضين دول بيحاولوا يعرضوا وجهة نظرهم على الناس في بلدهم من غير اللجوء لأي طرف أجنبي ولو بطريقة سلمية، طالما هم عكس وجهة نظري يبقوا “كفرة ولاد ستين في سبعين وأشرار”.



الهجوم هنا هو خير وسيلة للدفاع .. اطعنهم في مصداقيتهم ووطنيتهم واشغلهم بدفع الاتهامات عشان ميكنش عندهم فرصة ينتقدوك أو على الأقل تضمن أن تأثيرهم على الناس هيكون أقل في سرعة الاقتناع ومدى التأثير.



الطريقة التانية : اشغل انتباهم ليل نهار



الحكومة طول النهار والليل تحاصر الناس بإصدار بيانات وبتحاول تشغل الإعلام التلفزيوني والجرايد والإذاعة ببياناتها الرسمية ومعلومات ترسخ استراتيجية الدولة وتوزع صور وفيديوهات تتعلق بالأحداث اللي تحب تروج لها، وطبعا أول ناس بتنشر الكلام ده بتكون وسائل الإعلام الحكومية أو وسائل الإعلام المستقلة المرتبطة بعلاقة قوية مع الحكومة.



الظريف أن جرايد وتلفزيونات الحكومة بتاخد البيانات الرسمية الصادرة عن الوزارات المختلفة وتنشرها من غير ما توضح مين مصدرها كأنها معلومات فلكية زي “الشمس تشرق من الشرق” و”فلان عميل وخاين” .. ومحدش في الإعلام الرسمي الحكومي ده هيكلف خطره يحقق في صحة أي معلومة صادرة من الدولة زي ما ألف بأء صحافة بتقول، يعني مثلا تلاقي خبر يقولك “ساد الهدوء في منطقة كذا بعد أحداث كذا” بينما أي بني آدم ينزل منطقة كذا دي يلاقيها مولعة أو فيها جيش أمن مركزي طب ما هو لازم يسود الهدوء في وجود آلاف العساكر.



تلاقي المذيع التلفزيوني راجل محترم وببدلة وبيقول صرح مصدر مسئول أن كذا كذا كذا أو أعلنت وزارة كذا كذا .. كأن كلمة مصدر مسئول دي أو كلمة وزارة كذا دي معناها ان كل اللي وراها ده كلام ربنا مش ممكن يبقى غلط ومش محتاج حتى نتحرك ونروح لأرض الواقع نتأكد منه، وزي ما في صحفيين كتير شاطرين، في منهم كسالى طالما هيملى مساحة جرناله او برنامجه بكلام جاهز بينام عليه.



الخدعة بقى أنك هتلاقي المسئول تاني يوم نشر الخبر أو إذاعته طالع يقولك “شفنا في وسائل الإعلام تقارير عن كذا كذا” .. الله طب ما سعادتك أصلا اللي مطلع التقارير دي وباعتها للقناة او الجرنال؟؟




القلة المندسة

حكومة بوش كانت بتسرب معلومات للجرايد الأمريكية الكبيرة وتنزل الأخبار على أنها من مصادر سرية وبعدين تاني يوم تطلع الحكومة تستشهد بكلام الصحافة !، يا ترى بقى انت تقرا كام خبر في اليوم لم يتم التحقق من صحته؟.



والموضوع يا جماعة أصله مش كيميا المسألة بسيطة جدا، لما حد يقولك معلومة كل المطلوب منك تسأله ايه مصدرها؟ لأننا لما بنعرف مصدر المعلومة بنقدر نتأكد صاحبها يستاهل الثقة ولا لأ ولا حتى أن كلامه بيعبر عن رأيه الشخصي، انما أخطر حاجة الخبر اللي ملوش مصدر ده أو الاتهام بدون دليل، ودايما اللي يتهم حد من غير دليل مبيكنش عنده أدلة لأنها لو عنده كان كشف عنها فورا، وتلاقي المذيع الرخم إياه طالع يقولك “احنا مش عاوزين نتكلم” .. لا يا حبيبي ما انت لو عندك حاجة تقولها كنت اتكلمت.



الطريقة التالتة : الإنكار دايما هيفيد والتأجيل كمان



لما الحكومة تتعرض لهجوم أو انتقادات “الإنكار هو الحل” .. المسئول الحكومي ومعاه الإعلام الرسمي يصر على بث تكذيب وإنكار لصحة الأخبار المتسببة في انتقاد الحكومة، حتى لو كانت المعلومة واضحة وضوح الشمس.



المسئول هنا بيعتبر أن المشكلة كأنها محصلتش طالما الحكومة غير معترفة بيها وطالما محدش قادر يجيب دليل واضح، عشان كده ممكن حد يسأل المسئول ويقول له يا فندم في ناس ماتت، هيقولك غير صحيح مجتلناش بلاغات !!! لحد ما حد ابن حلال يطلع بفيديو يعرضه لناس بتموت فعلا.



وساعتها تبدأ الاستراتيجية التانية بعد الإنكار هي التأجيل !



يعني ايه تأجيل يعني “سنحقق في الأمر بمنتهى الحزم” و “الجاني هياخد عقابه وهنخليه يبوس الواوا” و “هنشكل لجنة للفحص وتحديد المسئولية” لحد ما الناس تنسى أو لحد ما يكون في مبررات وحجج جديدة.



وفي نوع من المسئولين أول ما تسأله عن حاجة هو بينكرها يقوم مغير الموضوع ويديلك معلومات لا تجاوب سؤالك لكنها معلومات عن موضوع آخر، وهنا هو بيعمل ترحيل وصرف لانتباهك عن المشكلة الأصلية، ويشن حملة إعلامية سريعة ببث معلومات كتير عن قضية معينة تشغل الناس والصحفيين اللي بطبيعتهم بيجروا ورا الجديد وينسوا القديم.



عشان كده كتير نشوف في التلفزيون أو الجرايد حوارات مع مسئولين مهمين وبعد الحوار نشعر كأن مفيش ولا سؤال كان في بالنا تمت إجابته، افتكروا كده حوارات أحمد عز وحبيب العادلي القليلة مع الإعلام الحكومي.



الطريقة الرابعة : كرر أكاذيبك




إعلام 67 ودا البلد في ستين داهية .. هل إعلام 2011 أحسن؟



لما تفشل كل الحيل السابقة يكون الأسلوب الرابع تكرار الأكاذيب، ايون تكراااار الأكاذيب كلها بدون ملل لدرجة أن الناس هتستغرب وتقول “مش ممكن يكون بيكدب كل ده”.



والأهم هنا هو منع وسائل الإعلام من الشغل نهائي بمعنى إضفاء سرية على حاجات الأصل فيها أنها تكون متاحة للناس، زي مثلا منع كاميرات التصوير ومنع الصحفيين من الدخول والمبرر طبعا هيكون هو أن المعلومات سرية للغاية وكشفها هيسفر عن بلاوي سودا ومخاطر الناس في غنى عنها.



وقبل الحرب على العراق كان ديك تشيني نائب بوش أشهر واحد بيأكد للصحافة أن المعلومات سرية وأنهم ممنوعين من التغطية وفي بلاد تانية ممكن يمنعوا الصحفيين أو يقفلوا الانترنت والتليفونات محمولة وأرضية عشان لما يكذبوا محدش حتى يقدر يكدبهم.



ودلوقتي عزيزي القاريء



أنا هعملك امتحان بسيط عشان اشوف فهمت طريقة الحكومات في تضليل وشحن الناس ولا لأ وهسألك سؤال واحد :



صمم حملة شرسة للنيل من وطنية كاتب الموضوع ده مع الحرص على استخدام الأدوات التالية : خيانة .. عمالة .. أجندات ورق أبيض وملون حسب البلد المنتج .. لوبي صهيوني .. قلة مندسة .. مخرب .. جاسوس لبناني .. إيراني .. إخواني .. بتنجاني .. بوس الواوا







أرجو نشر الموضوع بين دائرة معارفكم إذا كان أي منها ينتمي إلى شعب مضلل بواسطة حكومته عبر تويتر أو فيسبوك أو الميل إذا كانوا لسه شغالين.


http://nasryesmat.wordpress.com/2011/02/05/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D8%B9-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%83-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%AA%D8%9F-%D8%AF%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83/

2/1/11

السيرة الذاتية لسياف عربي - نزار قباني

السيرة الذاتية لسياف عربي


نزار قباني



أيها الناس

لقد أصبحت سلطانا عليكم

فاكسروا أصنامكم بعد ضلال واعبدونى ،

إننى لا أتجلى دائما

فاجلسوا فوق رصيف الصبر، حتى تبصرونى

اتركوا أطفالكم من غير خبز

واتركوا نسوانكم من غير بعل واتبعونى

إحمدوا الله على نعمته

فلقد أرسلنى كى أكتب التاريخ،

والتاريخ لا يكتب دونى

إننى يوسف فى الحسن

ولم يخلق الخالق شعرا ذهبيا مثل شعرى

وجبينا نبويا كجبينى

وعيونى غابة من شجر اللوز و الزيتون

فصلوا دائما كى يحفظ الله عيونى

أيها الناس

أنا مجنون ليلى

فابعثوا زوجاتكم يحملن منى

وابعثوا أزواجكم كى يشكرونى

شرف أن تأكلوا حنطة جسمى

شرف أن تقطفوا لوزى وتينى

شرف أن تشبهونى

فأنا حادثة ما حدثت

منذ آلاف القرون

****

أيها الناس

أنا الأول والأعدل،

والأجمل من بين جميع الحاكمين

وأنا بدر الدجى، وبياض الياسمين

وأنا مخترع المشنقة الأولى، وخير المرسلين

كلما فكرت أن أعتزل السلطة، ينهانى ضميرى

من ترى يحكم بعدى هؤلاء الطيبين؟

من سيشفى بعدى الأعرج، والأبرص، والأعمى

ومن يحيى عظام الميتين؟

من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر؟

من ترى يرسل للناس المطر؟

من ترى يجلدهم تسعين جلدة؟

من ترى يصلبهم فوق الشجر؟

من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر؟

ويموتوا كالبقر؟

كلما فكرت أن أتركهم

فاضت دموعى كغمامة

وتوكلت علي لا الله .

وقررت أن أركب الشعب

من الآن الى يوم القيامه

*****

أيها الناس

أنا أملككم

كما أملك خيلى وعبيدى

وأنا أمشى عليكم مثلما أمشى على سجاد قصرى

فاسجدوا لى فى قيامى

واسجدوا لى فى قعودى

أولم أعثر عليكم ذات يوم

بين أوراق جدودى ؟؟

حاذروا أن تقرأوا أى كتاب

فأنا أقرأ عنكم

حاذروا أن تكتبوا أى خطاب

فأنا أكتب عنكم

حاذروا أن تسمعوا فيروز بالسر

فإنى بنواياكم عليم

حاذروا أن تدخلوا القبر بلا إذنى

فهذا عندنا إثم عظيم

والزموا الصمت، إذا كلمتكم

فكلامى هو قرآن كريم

****

أيها الناس

أنا مهديكم ، فانتظرونى

ودمى ينبض فى قلب الدوالى، فاشربونى

أوقفوا كل الأناشيد التى ينشدها الأطفال

فى حب الوطن

فأنا صرت الوطن.

إننى الواحد، والخالد من بين جميع الكائنات

وأنا المخزون فى ذاكرة التفاح، والناى،

وزرق الأغنيات

إرفعوا فوق الميادين تصاويرى

وغطونى بغيم الكلمات

واخطبوا لى أصغر الزوجات سناً

فأنا لست أشيخ

جسدى ليس يشيخ

وسجونى لا تشيخ

وجهاز القمع فى مملكتى ليس يشيخ

أيها الناس

أنا الحجاج إن أنزع قناعى تعرفونى

وأنا جنكيز خان جئتكم

بحرابى وكلابى وسجوني

لاتضيقوا - أيها الناس - ببطشى

فأنا أقتل كى لاتقتلونى

وأنا أشنق كى لا تشنقونى

وأنا أدفنكم فى ذلك القبر الجماعى

لكيلا تدفنونى

******

أيها الناس

اشتروا لى صحفا تكتب عنى

إنها معروضة مثل البغايا فى الشوارع

إشتروا لى ورقا أخضر مصقولاً كأعشاب الربيع

ومدادا ومطابع

كل شىء يشترى فى عصرنا حتى الأصابع

إشتروا فاكهة الفكر وخلوها أمامى

واطبخوا لى شاعرا،

واجعلوه، بين أطباق طعامى

أنا أمى وعندى عقدة مما يقول الشعراء

فاشتروا لى شعراء يتغنون بحسنى

واجعلونى نجم كل الأغلفة

فنجوم الرقص والمسرح ليسوا أبدا أجمل منى

فأنا، بالعملة الصعبة، أشرى ما أريد

أشترى ديوان بشار بن برد

وشفاه المتنبى، وأناشيد لبيد

فالملايين التى فى بيت مال المسلمين

هى ميراث قديم لأبى

فخذوا من ذهبى

واكتبوا فى أمهات الكتب

أن عصرى عصر هارون الرشيد.

****

يا جماهير بلادى

ياجماهير الشعوب العربية

إننى روح نقى جاء كى يغسلكم من غبار الجاهلية

سجلوا صوتى على أشرطة

إن صوتى أخضر الايقاع كالنافورة الأندلسية

صورونى باسما مثل الجوكندا

ووديعا مثل وجه المجدلية

صورونى.

وأنا أفترس الشعر بأسنانى

وأمتص دماء الأبجدية

صورونى

بوقارى وجلالى،

وعصاى العسكرية

صورونى

عندما أصطاد وعلا أو غزالا

صورونى

عندما أحملكم فوق أكتافى لدار الأبدية

يا جماهير الشعوب العربية.

****

أيها الناس

أنا المسؤول عن أحلامكم إذ تحلمون

وأنا المسؤول عن كل رغيف تأكلون

وعن الشعر الذى - من خلف ظهرى - تقرأون

فجهاز الأمن فى قصرى يوافينى

بأخبار العصافير وأخبار السنابل

ويوافينى بما يحدث فى بطن الحوامل

أيها الناس أنا سجانكم

وأنا مسجونكم فلتعذرونى

إننى المنفى فى داخل قصرى

لا أرى شمسا، ولا نجما، ولا زهرة دفلى

منذ أن جئت الى السلطة طفلا

ورجال السيرك يلتفون حولى

واحد ينفخ ناياً

واحد يضرب طبلا

واحد يمسح جوخاً واحد يمسح نعلا

منذ أن جئت الى السلطة طفلا

لم يقل لى مستشار القصر كلا

لم يقل لى وزرائى أبدا لفظة كلا

لم يقل لى سفرائى أبدا فى الوجه كلا

لم تقل إحدى نسائى فى سرير الحب كلا

إنهم قد علمونى أن أرى نفسى إلها

وأرى الشعب من الشرفة رملا

فاعذرونى إن تحولت لهولاكو جديد

أنا لم أقتل لوجه القتل يوما

إنما أقتلكم كى أتسلى



قصيدة البتاع - ل أحمد فؤاد نجم

قصيدة البتاع



يا للي فتحت البتاع

فتحك على مقفول

لأن أصل البتاع

واصل على موصول

فأى شئ في البتاع

الناس تشوف على طول

والناس تموت في البتاع

فيبقي مين مسؤول ؟

وإزاي حتفتح بتاع

في وسط ناس بتقول

بأن هذا البتاع

جاب الخراب مشمول

لأنه حتة بتاع

جاهل غبي مخبول

أمر بفتح البتاع

لأنه كان مسطول !

وبعد فتح البتاع

جابوا الهواالمنقول

نكس عشوش البتاع

وهد كل أصول

وفات في غيط البتاع

قام سمم المحصول

وخلا لون البتاع

أصفرحزين مهزول

وساد قانون البتاع

ولا عله ولا معلول

فالقاضي بتع البتاع

فالحق ع المقتول

والجهل زاد في البتاع

ولا مقري

ولا منقول

والخوف سرح في البتاع

خلا الديابه تصول

ويبقي البتاع في البتاع

والناس صايبها ذهول

وأن حد قال دا البتاع

يقولوا له مش معقول

وناس تعيش بالبتاع

وناس تموت بالفول

وناس تنام ع البتاع

وناس تنام كشكول

آدي اللي جابه البتاع

جاب الخراب بالطول

لأنه حتة بتاع

مخلب لراس الغول

باع البتاع بالبتاع

وعشان يعيش على طول

عين حرس بالبتاع

وبرضه مات مقتول