11/29/14

Milan Kundera - Slowness >>>> ميلان كونديرا - البطء


البطء هي رواية رائعة لميلان كونديرا عن الرابط الخفي بين البطء والأحلام والذاكرة واللذة والتأمّل والمعنى ، والسرعة بالنسيان.... فضاءات الخاص والحميم من جهة، والعام الإستعراضي المصطنع أمام الآخرين من جهة أخرى. 
هنا مقتطف جميل منها: 

Why has the pleasure of slowness disappeared? Ah, where have they gone, the amblers of yesteryear? Where have they gone, those loafing heroes of folk song, those vagabonds who roam from one mill to another and bed down under the stars? Have they vanished along with footpaths, with grasslands and clearings, with nature? There is a Czech proverb that describes their easy indolence by a metaphor: 'they are gazing at God's windows.' A person gazing at God's windows is not bored; he is happy. In our world, indolence has turned into having nothing to do, which is a completely different thing: a person with nothing to do is frustrated, bored, is constantly searching for an activity he lacks. 
هل إختفوا (أبطال الأغاني الشعبيّة الكسالى) باختفاء الدروب الريفيّة والواحات وفجاج الغابات وباختفاء الطبيعة ؟ ثمّة مثل تشيكي يحدّد خمولهم بالإستعارة التالية : إنهم يتأملون نوافذ الإله. من يتأمّل نوافذ الإله لا يسأم، بل يكون دوما سعيدا. لقد تحوّل الخمول في عالمنا إلى البطالة التي هي شيء آخر تماما. العاطل، خلافا للخامل، محروم ومستاء، هو في بحث دائم عن الحركة التي يفتقدها.

الطريقة التي يروى بها التاريخ المعاصر شبيهة بجوقة موسيقيّة كبيرة تقدّم فيها بال انقطاع المائة وثمان وثلاثون معزوفة لبيتهوفن، لكن بالإقتصار على عزف النوتات الثمانية الأولى من كل منها. إذا تكرّر بعد عشر سنوات عزف الجوقة ذاتها، فلن يعزف من كلّ قطعة إلّا النوتة الأولى. هكذا تقد كل هذه المعزوفات خلال كلّ عزف مثل لحن واحد. أما بعد عشرين سنة فسوف تختزل كل موسيقى بينهوفن في نوطة واحدة حادة، شبيهة بتلك النوطة اللانهائية، العالية جدا التي سمعا أوّل يوم حلّ به الصمم. 

The way contemporary history is told is like a huge concert where they present all of Beethoven's one hundred thirty-eight opuses one after the other, but actually play just the first eight bars of each. If the same concert were given again in ten years, only the first note of each piece would be played, thus one hundred thirty-eight notes for the whole concert, presented as one continuous melody. And in twenty years, the whole of Beethoven's music would be summed up in a single very long buzzing tone, like the endless sound he heard the first day of his deafness.

الأسبوع الأخير من تشرين ...

توفي البارحة الرائع سعيد عقل، والذي كتب نقوشا ندر مثيلها في عالم الشعر العربي الحديث.. يميّزها كثافة المعاني وسموّها وقوّة المعاني البديعة فيها .. هنا بعض من قصائده (وإن كنت لم أجد "على رخامة" بعد)

وُلِدْتُ، سَرِيري ِضفَّة النّهْرِ، فالنَّهْرُ      تآخَى وعُمرْي مِثْلَما الوَرْدُ والشَّهْر ُ



سائليني







سائليني، حينَ عطّرْتُ السّلامْ، كيفَ غارَ الوردُ واعتلَّ الخُزامْ
وأنا لو رُحْتُ أستَرْضي الشَّذا لانثـنى لُبنانُ عِطْـراً يا شَـآمْ
ضفّتاكِ ارتاحَتا في خاطِـري و احتمى طيرُكِ في الظّنِّ وَحَامْ
نُقلةٌ في الـزَّهـرِ أم عندَلَـةٌ أنـتِ في الصَّحوِ وتصفيقُ يَمَامْ
أنا إن أودعْتُ شِعْـري سَكرَةً كنتِ أنتِ السَّكبَ أو كُنتِ المُدامْ
ردَّ لي من صَبوتي يا بَـرَدَى ذِكـرَياتٍ زُرْنَ في ليَّا قَــوَامْ
ليلةَ ارتـاحَ  لنا الحَـورُ فلا غُصـنٌ إلا شَـجٍ أو مُسـتهامْ
وَجِعَتْ صَفصَافـةٌ من حُزنِها و عَرَى أغصَانَها الخُضرَ سَقامْ
تقـفُ النجمةُ عَـن دورتِـها عنـدَ ثغـرينِ وينهارُ الظـلامْ
ظمئَ الشَّرقُ فيا شـامُ اسكُبي واملأي الكأسَ لهُ حتّى الجَـمَامْ
أهـلكِ التّاريـخُ من فُضْلَتِهم ذِكرُهم في عُروةِ الدَّهرِ وِسَـامْ
أمَـويُّـونَ، فإنْ ضِقْـتِ بهم ألحقـوا الدُنيا بِبُسـتانِ هِشَـامْ
أنا لسـتُ الغَـرْدَ الفَـرْدَ إذا قلتُ طاب الجرحُ في شجوِ الحمامْ
أنا حَسْـبي أنّني مِن جَـبَـلٍ هـو بيـن الله والأرضِ كـلامْ


مرّ بي








مر بي يا واعداً وعداً مثلما النسمة من بردى
تحمل العمر تبدده أه ما أطيبه بددا
رب أرض من شذا و ندى و جراحات بقلب عدى
سكتت يوماً فهل سكتت؟ أجمل التاريخ كان غدا
واعدي لا كنت من غضب أعرف الحب سنى و هدى
الهوى لحظ شآمية رق حتى قلته نفذا
هكذا السيف ألا انغمدت ضربة و السيف ما انعمدا
واعدي الشمس لنا كرة إن يد تتعب فناد يدا
أنا حبي دمعة هجرت ان تعد لي أشعلت بردى




خذني بعينيك







طالَتْ نَوَىً وَ بَكَى مِن شَـوْقِهِ الوَتَرُ خُذنِي بِعَينَيكَ وَاغـرُبْ أيُّها القَمَرُ
لم يَبقَ في الليلِ إلا الصّوتُ مُرتَعِشاً إلا الحَمَائِمُ، إلا الضَائِـعُ الزَّهَـرُ
لي فيكَ يا بَرَدَى عَهـدٌ أعِيـشُ بِهِ عُمري، وَيَسـرِقُني مِن حُبّهِ العُمرُ
عَهدٌ كآخرِ يومٍ في الخـريفِ بكى وصاحِباكَ عليهِ الريـحُ والمَطَـرُ
هنا التّرَاباتُ مِن طِيبٍ و مِن طَرَبٍ وَأينَ في غَيرِ شامٍ يُطرَبُ الحَجَرُ؟
شـآمُ أهلوكِ أحبابي، وَمَـوعِـدُنا أواخِرُ الصَّيفِ ، آنَ الكَرْمُ يُعتَصَرُ
نُعَتِّـقُ النغَمَاتِ البيـضَ نَرشُـفُها يومَ الأمَاسِي ، فلا خَمرٌ ولا سَـهَرُ
قد غِبتُ عَنهمْ وما لي بالغيابِ يَـدٌ أنا الجَنَاحُ الذي يَلهـو به السَّـفَرُ
يا طيِّبَ القَلـبِ، يا قَلبي تُحَـمِّلُني هَمَّ الأحِبَّةِ إنْ غَابوا وإنْ حَضِروا
شَـآمُ يا ابنةَ ماضٍ حاضِـرٍ أبداً كأنّكِ السَّـيفُ مجدَ القولِ يَخْتَصِرُ
حَمَلـتِ دُنيا عـلى كفَّيكِ فالتَفَتَتْ إليكِ دُنيا ، وأغضَـى دُونَك القَدَرُ

 ألعينيكِ




ألعينيكِ تأنّى وخَطَرْ يفرش الضوءَ على التلّ القمرْ؟
ضاحكاً للغصن، مرتاحاً إلى ضفّة النهرِ، رفيقاً بالحجر
علَّ عينيكِ إذا آنستا أثراً منه، عرا الليلَ خَدَر
ضوؤه، إما تلفّتِّ دَدٌ ورياحينُ فُرادى وزُمَر
يغلب النسرينُ والفلُّ عسى تطمئنّين إلى عطرٍ نَدَر
من تُرى أنتِ، إذا بُحتِ بما خبّأتْ عيناكِ من سِرّ القدر؟
حُلْمُ أيِّ الجِنّ؟ يا أغنيةً عاش من وعدٍ بها سِحرُ الوتر
****
نسجُ أجفانكِ من خيط السُّهى كلُّ جَفنٍ ظلّ دهراً يُنتظَر
ولكِ «النَّيْسانُ»، ما أنتِ لهُ هو مَلهىً منكِ أو مرمى نظر
قبلَ ما كُوِّنْتِ في أشواقنا سكرتْ مما سيعروها الفِكَر
قُبلةٌ في الظنّ، حُسنٌ مغلقٌ مُشتَهىً ضُمَّ إلى الصدر وَفَر
وقعُ عينيكِ على نجمتنا قصّةٌ تُحكَى وبثٌّ وسَمَر
قالتا: «ننظُرُ» فاحلولى الندى واستراح الظلّ، والنورُ انهمر
****
مُفردٌ لحظُكِ إن سَرّحتِهِ طار بالأرض جناحٌ من زَهَر
وإذا هُدبُكِ جاراه المدى راح كونٌ تِلْوَ كونٍ يُبتكَر


 


مشوار
مين قال حاكيتو و حاكاني عا درب مدرستي
كانت عم تشتي و لولا وقفت رنخت فستاني
و شو هم كنا صغار و مشوار رافقتو أنا مشوار
و قالوا شلحلي ورد عا تختي و شباكنا بعلا
و شو عرفو أيا تختي أنا و أيا تخت أختي
بيلفقوا أخبار و مشوار يا عيوني مرق مشوار
و قالوا غمرني مرتين و شد شوف الكذب لوين
مرا منيح اتنين؟ و لا ردتو إيدي و لا هو أرتد
شو بيفضحو ا أسرار و مشوار شفتو و ما رجع مشوار
كذبوا مين بيقول كذبوا مين كذبوا مين بيقول كذبوا مين
امبارح بنومي بصرت اني عازندو طرت و الأرض مفروشة كلا ياسمين
إن صح الحلم شو صار و مشوار جينا عالدني مشوار






عم بحلمك
عم بحلمك
يا حلم بالبنان
انت الهدايا بالعلب
و الكاس شى انه انسكب
و الكان بالبال
و ما عاد مكان
وضاع
عم بكتبك بالنار
بقلام صكت لوز
قلهم لأهلك يرجعوا
للخير الكتير و المال
و بايدهم هالكون
بتغيب بتعود الدنيا تسمع
صوت الضباب
ع صوتك
بين ارز و كان
النجمه تهدا يوم
ما كل بطل
ها مثله مالون
قالوا أجل لا تصدق الفردان
بعده بايده سيف
ع السيف يرجع لك
لبنان
راجع تاتحلى بينه
تراب الحنان
مش بعدها لرجلين تتكسر
يتكسروا و يبقى الزمان
يا لبنان
وينك بتطل هالسماء
منحوت مثل هالشمس
كل يوم اكثر من أمس
ضحكه ع جرحك بلسمه
وعاد
عمبحلمك يا حلم يا لبنان
انت الهدايا بالعلب
و الكاس شى انه انسكب
و الكان بالبال
و بعدما كان .. يا لبنان



 وفي مداخلة مع الشاعر رفيق روحانا قال :"بدنا نعزّي لبنان والإنسانية برحيل سعيد عقل". وتابع :"إلي الشرف إنو أعرف سعيد عقل وإنو مرقت حد عتبة بيتو ، وأضاف :"الله كرّمني إنو سعيد عقل يموت عإيدي ، تلفنتلي ماري روز قالتلي الإستاذ تعبان جيت ركض من عشقوت للقنيطرة وقعدت من الساعة 1 ونص إحكي أنا وياه ، وماري روز ونصليلو ونرتّلو ونتذكر أجمل اللحظات اللي مرقنا فيا ونبكي وبقلبنا في فرح إنو هو عند الله".
وذكر روحانا أن الجملة الأخيرة التي قالها عقل :

"أجمل من يسوع إنك تشوف يسوع".




أيضا في هذا الأسبوع الأخير من تشرين ... 




11/8/14

كافكا مرّتين : "التحوّل" ، "المحاكمة"


كتابين ممتازين لهذا الكاتب الممتاز (يهودي تشيكي ألماني اللغة ، مولود عام 1883 ، وتوفي عام  -  1924 المزيد عن حياته هنا) -- مات صغيرا (نسبيّا) والذي نجت روايته (المحاكمة) بالصدفة حيث كان يريد أن تحرق بعد موته، ولكن صديقه لم يحقّق له هذه الأمنية. 

رواية المحاكمة ساحرة بطريقة عجيبة.. جوزيف ك يستدعى إلى المحاكمة (لا يعرف التهمة طول الرواية) ، ويمثل أمام محاكم عجيبة (لا تبدو رسميّة أو حقيقية أبدا، بل تجري في طوابق عليا من أبنية مسكونة، وفي شقق حقيرة عجيبة) متأرجحا بين الجهل والنكران... إلى الإستسلام والموت! شخصيّات مدهشة في دقّتها وعمقها الإنساني تصادفه على طريق هذه المحاكمة. جوّ ساحر وفريد من الغموض العجيب الذي يجمع بين المعقوليّة والإستحالة !  رواية بلا الكثير من الأحداث المهمّة ، ولكنّها تستعرض - أو تشير إلى - معان من الدين ، العزلة الإنسانية ، طغيان المجتمع والجماعة ، معضلة القوّة والقدرة ، العجز واليأس الإنسانيين.. نقاش جميل عنها هنا وهنا ..

الرواية الثانية : التحوّل (  ) ، والتي تعتبر جملتها الإفتتاحية من الأشهر ويرى الكثيرون أنّها من أجمل افتتاحيّات الروايات : 

ذات صباح، وبعد أن استيقظ من أحلامه المضطربة، وجد جريجور سامسا نفسه في سريره، وقد تحوّل إلى حشرة عملاقة. 
One morning, upon awakening from agitated dreams, Gregor Samsa found himself, in his bed, transformed into a monstrous vermin.

هذه الرواية فيها نفس الغموض الأخّاذ ، حيث لا نعرف (وليس مهما) لماذا تحوّل هكذا (فهذه ببساطة حادثة مؤسفة) ، بل نتبع أفكاره وصراعه بين طبيعته الجسدية الجديدة (الحشرة يحب الظلمة والرطوبة والمشي على السقف وأطعمة محدّدة) وما بقي من إنسانيته( عائلته ، مسؤولياته، عمله، الخ) ، والأحداث التي تنتج عن هذا الإنمساخ العجيب عندما يعتني به أهله وهو لا يغادر غرفته.  لماذا لم يهتم سامسا كفاية بأسباب ما حدث؟ هل تحوّله هو مساعد للتحوّلات الأخرى التي جرت في الرواية (تحول أهله وأخته) ؟ ماذا عن التعاطف ، العزلة وجدلية الجسد والمادة؟ .. المزيد عن الرواية هنا ، وهنا

روايتان رائعتان شديدتا الغنى والجمالية الأدبية والفلسفية.. أسلوب ساحر وومتاز وقدرة إبداعيّة وتحليليّة فريدة للنفس الإنسانية والعديد من الظروف والعوامل الداخلية والإجتماعية ..